الإصلاح الإداري في التعليم: قراءة في مشروع قرار تحديد شروط وكيفيات شغل مهام الإدارة التربوية
مقدمة :
في إطار الدينامية الإصلاحية التي تعرفها المنظومة التربوية بالمغرب، أصدرت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مشروع قرار بتاريخ 14 أبريل 2025، يرمي إلى تحديد شروط وكيفيات شغل مهام الإدارة التربوية بمؤسسات التربية والتعليم العمومي. ويأتي هذا القرار استجابة لحاجيات تأطير المهام الإدارية وضمان النجاعة والشفافية في تقلد المناصب الإدارية التربوية. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على مضامين هذا المشروع، وتحليل مستجداته، واستشراف آثاره المحتملة على الممارسة التربوية والإدارية.
أولاً: تأطير عام لمهام الإدارة التربوية
حدد مشروع القرار بدقة المهام التربوية داخل المؤسسات التعليمية العمومية بمختلف أسلاكها، حيث يشمل السلك الابتدائي مهمة مدير المدرسة، أما السلك الإعدادي فيضم مدير المؤسسة، والحارس العام للخارجية، والحارس العام للداخلية في حال توفر المؤسسة على قسم داخلي أو مطعم مدرسي. في حين يتسع الهيكل الإداري في الثانويات التأهيلية ليشمل المدير، الناظر، مدير الدراسة، رئيس الأشغال، والحارسين العامين للداخلية والخارجية.
يعكس هذا التقسيم حرص الوزارة على ملاءمة المهام الإدارية مع خصوصيات كل سلك تعليمي، وضمان توزيع متوازن للمسؤوليات من أجل تحسين جودة الأداء التربوي والإداري.
ثانياً: مسالك التعيين في المهام الإدارية
جاء المشروع بنظام مزدوج للتعيين في مناصب الإدارة التربوية:
التعيين المباشر: يتم عبر خريجي المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين الحاصلين على دبلوم الإدارة التربوية، ويشمل مناصب مثل مدير المدرسة الابتدائية، الحارس العام، ورئيس الأشغال.
التدرج المهني: يفتح الباب أمام المتصرفين التربويين الذين راكموا تجربة مهنية في مناصب معينة، شريطة أن يكونوا قد قضوا على الأقل سنتين في المهمة الحالية، مما يعزز مبدأ الاستحقاق المهني ويربط الترقية بالتجربة والكفاءة.
ثالثاً: آليات التباري والانتقاء
أكد مشروع القرار على مبدأ التباري المهني كآلية أساسية للولوج إلى المهام الإدارية، وذلك وفقاً لمعايير دقيقة تشمل الأقدمية العامة، والأقدمية في المنصب، والمردودية، والمؤهلات، والسن. كما أقر بضرورة الخضوع لمقابلة وانتقاء بناء على مشروع شخصي بالنسبة للمرشحين الجدد لمهام مدير الثانويات، مما يعكس رغبة الوزارة في استقطاب الكفاءات ذات الرؤية الإصلاحية والمبادرة الشخصية

رابعاً: ضمانات التكوين والمواكبة
من أبرز مستجدات المشروع توفير مواكبة ميدانية للمترشحين الذين يتم تعيينهم لأول مرة في مهام إدارة الثانويات الإعدادية والتأهيلية، خلال السنة الأولى من مزاولتهم لمهامهم، وذلك من خلال لجنة مختصة تُحدد تركيبتها ومهامها بقرار وزاري. وتهدف هذه المواكبة إلى التتبع والتأطير وتقديم الدعم اللازم للمديرين الجدد
خامساً: تدبير المناصب الشاغرة والإعفاءات
من أجل معالجة إشكالية المناصب الإدارية الشاغرة، نص المشروع على إمكانية إعادة التباري على المناصب وطنياً وجهوياً، كما منح صلاحية التعيين المباشر للأكاديميات في حالة استمرار الشغور، دون التقيد بشرط الأقدمية.
أما في ما يخص الإعفاء، فقد حدد المشروع حالات دقيقة من قبيل ثبوت عدم الكفاءة المهنية، أو الإصابة بأمراض طويلة الأمد، أو ارتكاب تجاوزات مهنية خطيرة. وتم إسناد مهمة البحث والتحري إلى لجان مختصة على مستوى الأكاديميات، مع تحديد آليات اتخاذ القرار النهائي
سادساً: ضمانات الشفافية والإنصاف
كرّس المشروع مبدأ الشفافية من خلال التنصيص على معايير واضحة للتباري، واعتماد المقابلات المهنية، والمشاريع الشخصية، وكذا إحداث لجان جهوية لتقييم التقارير الإدارية والمهنية. كما أنه منح للمتصرفين التربويين الذين تم إعفاؤهم من المهام إمكانية الترشح مجددًا، وفق ضوابط دقيقة، مما يعزز مبدأ الإنصاف وإعادة الإدماج المهني
سابعاً: الانعكاسات المتوقعة للمشروع
من شأن هذا المشروع أن يسهم في:
تعزيز مهنية الإدارة التربوية وتجويد آدائها.
- ترسيخ مبدأ الاستحقاق في تقلد المناصب.
- تحفيز الأطر التربوية على الاجتهاد والتكوين الذاتي.
- تقليص الاختلالات الإدارية داخل المؤسسات.
- دعم مبدأ التدرج والتجربة في الترقية.
ثامناً: توصيات من أجل أجرأة فعالة
لضمان حسن تنزيل هذا المشروع، من الضروري:
تعميم دورات تكوينية مستمرة للمتصرفين التربويين.
تتبع أثر التكوين على جودة الأداء الإداري.
تحفيز المديرين الجدد عبر آليات الدعم المالي والمعنوي.
إشراك الفاعلين التربويين في تقييم تجربة التطبيق
خاتمة:
يشكل مشروع القرار المتعلق بتحديد شروط وكيفيات شغل مهام الإدارة التربوية خطوة متقدمة في مسار إصلاح المنظومة الإدارية داخل التعليم العمومي بالمغرب. فهو يسعى إلى تحقيق التوازن بين مبدأي الكفاءة والاستحقاق، وبين الواقعية التدبيرية والنجاعة التربوية. وإذا ما تم أجرأته بالشكل المطلوب، فسيكون له الأثر الإيجابي في تحسين جودة التعليم وتعزيز ثقة المواطن في المدرسة العمومية.
لتحميل مشروع قرار الوزارة بخصوص الموضوع من هنا