العنف في المؤسسات التعليمية: مأساة تهزّ المغرب وتدفع إلى إعلان يوم حداد وإضراب وطني
في مشهد مؤلم ومؤثر هزّ الرأي العام المغربي، أعلنت النقابات التعليمية في المملكة، وعلى رأسها النقابة الوطنية للتعليم – CDT، عن تنظيم يوم حداد وطني وإضراب شامل يوم الأربعاء 16 أبريل 2025، حدادًا على روح الأستاذة الراحلة “غزلان”، التي توفيت إثر حادث مأساوي . وقد جاء هذا التحرك النقابي بعد تنامي حوادث العنف التي تستهدف الأطر التربوية والإدارية، والتي أصبحت تهدد استقرار المنظومة التربوية برمتها.

الخلفية المأسوية للحادثة
توفيت الأستاذة “غزلان” – رحمها الله – إثر تعرضها لاعتداء مباشر، ما أشعل موجة من الغضب العارم في أوساط الأسرة التعليمية. لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، لكنها كانت الأكثر تأثيرًا بحكم رمزيتها وتوقيتها، حيث جاءت بعد سلسلة من التحذيرات التي أطلقتها النقابات حول تزايد العنف داخل المؤسسات التعليمية.
المأساة لا تتعلق فقط بفقدان حياة إنسانة كانت تؤدي رسالتها التربوية النبيلة، بل تُسلط الضوء على التدهور الخطير في الأمن المدرسي، وغياب آليات الحماية داخل المؤسسات التعليمية، خصوصًا في ظل ما يعرفه القطاع من أزمات بنيوية وهيكلية مزمنة.
تصاعد العنف المدرسي... ناقوس خطر
العنف المدرسي لم يعد ظاهرة معزولة، بل أصبح نمطًا متكررًا يُهدد بيئة التعلم والعمل داخل المدارس المغربية. تشير تقارير متعددة إلى أن الاعتداءات اللفظية والجسدية على الأساتذة أصبحت شبه يومية، ما ينعكس سلبًا على العملية التعليمية برمتها.
ومن بين أبرز أسباب هذه الظاهرة نذكر:
غياب الأمن داخل المؤسسات التعليمية، خاصة في المناطق النائية.
نقص في التكوين التربوي والتواصلي لدى بعض التلاميذ نتيجة اختلالات أسرية واجتماعية.
تدهور صورة الأستاذ في المجتمع نتيجة السياسات المتعاقبة التي همّشت رجال ونساء التعليم.
انعدام برامج التحسيس ومقاربة الوقاية داخل المؤسسات.
موقف النقابات التعليمية: وحدة الصف وتضامن ميداني
جاء ردّ الفعل النقابي قويًا وواضحًا، حيث اجتمع التنسيق الخماسي للنقابات التعليمية (CDT، UMT، UGTM، FNE، FDT) وأصدر بيانًا يدعو فيه إلى:
إضراب وطني يوم الأربعاء 16 أبريل 2025.
تنظيم وقفات احتجاجية خلال فترات الاستراحة يومي الاثنين والثلاثاء 14 و15 أبريل.
وقفة مركزية أمام المديريات الإقليمية للتعليم.
التضامن مع أسرة الأستاذة الراحلة ومطالبة الحكومة بتحديد المسؤوليات.
وقد شددت النقابات على أن هذا التحرك لا يندرج فقط في إطار التضامن مع غزلان، بل هو أيضا صرخة احتجاج ضد “سياسات الإهمال” و”الصمت الرسمي”، حسب تعبير بعض البيانات.
دعوة إلى مراجعة السياسات التعليمية
أكدت النقابات أن الأزمات المتتالية التي يعرفها قطاع التعليم لا يمكن فصلها عن القرارات الوزارية المرتبكة، و”التمطيط” الذي طال تنفيذ بنود اتفاق 10 دجنبر 2023. كما حملت النقابات الحكومة والوزارة الوصية مسؤولية تدهور الأوضاع، بسبب غياب رؤية استراتيجية حقيقية تنبني على الإنصات والتفاعل مع الفاعلين في الميدان.
من جهة أخرى، طالبت النقابات بإقرار قوانين تحمي الأطر التربوية من العنف، وتعزيز الأمن المدرسي من خلال توظيف حراس أمن وتأطير التلاميذ نفسيًا واجتماعيًا.
البعد الإنساني والنفسي للقضية
وفاة الأستاذة غزلان لم تكن مجرد خبر عابر، بل خلفت صدمة جماعية وسط زملائها وتلامذتها والمجتمع ككل. فقد تفاعل المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة مع الهاشتاغات التي حملت اسمها، مطالبين بإنصافها والحد من الاعتداءات المتكررة.
الحالة النفسية التي يعيشها عدد كبير من الأساتذة، نتيجة الضغوطات المهنية والاجتماعية ومخاطر الاعتداء، أصبحت قضية رأي عام. فكيف يمكن لأستاذ أن يؤدي مهامه التربوية وهو مهدد يوميًا في سلامته الجسدية والمعنوية؟

مستقبل التعليم في ظل الأزمات
إن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى نتائج كارثية على مستوى جودة التعليم، ومردودية المؤسسات، وقد يزيد من عزوف الكفاءات عن الالتحاق بمهنة التعليم، ما سينعكس على الأجيال المقبلة.
ولهذا، لا بد من:
إطلاق حوار وطني موسّع حول حماية نساء ورجال التعليم.
إصلاح جذري للمنظومة التربوية يراعي كرامة العاملين فيها.
إدماج الأطر النفسية والاجتماعية بالمؤسسات التعليمية.
تجريم العنف المدرسي وتجسيد الحماية القانونية.
العنف المدرسي بالمغرب – تشخيص قانوني ومجتمعي ورؤية للإصلاح
أولاً: الإطار القانوني لحماية الأطر التربوية... هل يكفي؟
رغم أن الترسانة القانونية المغربية تتضمن مقتضيات تُجرّم العنف، سواء في القانون الجنائي أو قانون الوظيفة العمومية، إلا أن الأطر التربوية لا تستفيد دائمًا من هذه الحماية بالشكل الكافي. فالمادة 263 من القانون الجنائي، مثلًا، تُعاقب على إهانة موظف عمومي أثناء تأدية عمله، لكن تفعيل هذه المادة يظل رهينًا بشكايات فردية، وإثباتات يصعب أحيانًا توفيرها في ظل غياب كاميرات أو شهود.
ويطالب الفاعلون التربويون والنقابيون بإصدار قانون خاص بحماية الأطر التعليمية، شبيه بقانون حماية الأطباء أو الأمنيين، يتضمن:
عقوبات مشددة تجاه من يعتدي جسديًا أو لفظيًا على الأستاذ.
تعويضات عن الضرر النفسي والمادي.
تحميل المؤسسات التعليمية والسلطات المحلية مسؤولية الأمن المدرسي.

ثانياً: شهادات من الواقع... الخوف أصبح رفيق القسم
في تصريح لأستاذ يعمل بثانوية تأهيلية بمنطقة نائية في الجنوب، قال:
“نحن نُدرّس تحت الضغط والخوف، ليس من الفشل في أداء الرسالة التربوية، بل من التعرض للسب أو حتى الطعن… حدث هذا لزميل لي السنة الماضية، واليوم نودع أروى!”
في حين تؤكد أستاذة التعليم الابتدائي في الرباط:
“العنف ليس جسديًا فقط، بل أيضًا معنوي… الضغط من التلاميذ، الإدارة، وأحيانًا أولياء الأمور، يجعلنا نعود إلى بيوتنا منهكين نفسيًا.”
هذه الشهادات تكشف أن الاحتقان التربوي لم يعد مجرد قضية مطلبية، بل أصبح أزمة قيم وسياقات اجتماعية متشابكة.
ثالثاً: العوامل الاجتماعية... الأسرة، الإعلام، والتحولات القيمية
من المهم الإشارة إلى أن المدرسة ليست معزولة عن محيطها. فظاهرة العنف ضد الأطر التعليمية تعكس:
تراجع هيبة المعلم في الثقافة العامة، بفعل التحولات الإعلامية والمجتمعية.
ضعف دور الأسرة في التربية، نتيجة انشغالات اقتصادية وهشاشة اجتماعية.
غياب قدوة مدرسية واضحة لدى الناشئة، مقابل تصاعد نماذج سلبية تُروّج عبر وسائل التواصل.
كما أن التلاميذ، بدورهم، ضحايا لواقع صعب، ما يجعل بعضهم يُفرغ غضبه في وجه الأستاذ باعتباره رمزًا للسلطة.
رابعاً: الصحة النفسية للأطر التربوية… جرح صامت
شير دراسة غير رسمية إلى أن أكثر من 60% من الأساتذة يعانون من أعراض الضغط النفسي والاحتراق المهني، خصوصًا في المناطق الهشة.
غياب الدعم النفسي في المؤسسات، وغياب مستشارين اجتماعيين، يجعل من الأستاذ فريسة سهلة للانهيار النفسي، وهو ما ينعكس سلبًا على التلاميذ بدورهم.
إن إدماج الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في كل مؤسسة تعليمية، أصبح ضرورة ملحة، وليس ترفًا.
خامساً: مقترحات للنهوض بالأمن المدرسي
في ختام هذا التشخيص، نقترح حزمة من الإجراءات العاجلة والهيكلية، لتحقيق تعليم آمن يحترم كرامة الأستاذ والتلميذ معًا:
إصدار قانون خاص بحماية نساء ورجال التعليم من العنف.
توفير حراس أمن وتكوينهم للتعامل مع الحالات الطارئة.
اعتماد برامج تربوية للتحسيس بمخاطر العنف داخل المؤسسات.
تعزيز دور الأسرة والجمعيات المدنية في المصاحبة النفسية والتربوية.
مراجعة المناهج التعليمية لتشمل القيم المدنية واحترام الآخر.
تشجيع الإعلام الوطني على إبراز الدور النبيل للمعلم.

الخاتمة: لا تعليم آمن دون احترام المعلم
تأتي هذه الاحتجاجات والوقفات ليس فقط لاستنكار العنف الذي أودى بحياة أستاذة، بل كدعوة واضحة للدولة والمجتمع لإعادة الاعتبار لمكانة المعلم. فلا يمكن لأي إصلاح تعليمي أن ينجح إذا كان الأستاذ مهددًا في أمنه، مهمشًا في حقوقه، غير معترف بدوره.
يوم 16 أبريل 2025، لن يكون يوم إضراب فقط، بل لحظة تأمل ووقفة ضمير، من أجل مستقبل تعليم آمن، كريم، ومثمر في المغرب.