مشروع قرار وزير التربية الوطنية بشأن الحركات الانتقالية لموظفي الوزارة: قراءة تحليلية في أهم المستجدات

تُعد الحركات الانتقالية للموظفين في قطاع التربية الوطنية من المحطات الهامة التي تعكس الدينامية الإدارية داخل المنظومة التربوية، إذ تتيح للموظفين إعادة التموقع الجغرافي وفقًا لاعتبارات مهنية واجتماعية، وتؤثر بشكل مباشر على جودة أداء المؤسسات التعليمية من خلال توزيع الموارد البشرية. وفي هذا السياق، جاء مشروع قرار وزير التربية الوطنية لسنة 2025 ليضع إطارًا جديدًا ومُحكَمًا يحدد شروط وكيفيات المشاركة في مختلف أنواع الحركات الانتقالية: الوطنية، الجهوية، والإقليمية.

أولاً: فلسفة المشروع وسياقه العام

يأتي مشروع القرار في سياق إصلاحي عام يروم تحديث الإدارة التربوية وتحقيق العدالة والشفافية في تدبير الموارد البشرية، وذلك استنادًا إلى مبادئ الاستحقاق وتكافؤ الفرص، مع مراعاة البعد الاجتماعي والمهني للموظف. وقد جاء المشروع بعد ملاحظات متراكمة على نظام الحركات الانتقالية السابق، الذي شابت بعض جوانبه الانتقادات بشأن ضعف الإنصاف وغياب التحفيز.

ثانيًا: شروط الحركة الوطنية

1. شرط الاستقرار المهني:

يشترط القرار الجديد قضاء سنتين على الأقل داخل نفس المؤسسة التعليمية للمشاركة في الحركة الوطنية. ويهدف هذا الشرط إلى تعزيز الاستقرار البيداغوجي داخل المؤسسات وضمان عدم تفريغها من أطرها بشكل مستمر، الأمر الذي كان يُحدث اختلالات في السير العادي للعمل التربوي.

2. إمكانية الاختيار المرن:

أعطى المشروع الحق لكل موظف في اختيار 15 مؤسسة تعليمية أو جماعة ترابية تنتمي إلى الجهة التي يعمل بها أو جهتين أخريين أو إليهما معًا. ويعكس هذا التوجه مرونة جديدة في تدبير الاختيارات الجغرافية، تتيح للموظف فرصًا أوسع لتحقيق رغبته في الانتقال دون الاقتصار على جهة واحدة.

3. الأولويات:

يتضمن المشروع ترتيبًا جديدًا لأولويات الانتقال، حيث يتم منح الأولوية المطلقة للطلبات ذات الطابع الاجتماعي (الالتحاق بالزوج أو الزوجة)، ثم للموظفين الذين قضوا أكثر من 12 سنة في نفس المنصب، تكريمًا لهم على وفائهم المهني وتحفيزًا للطاقات البشرية التي التزمت بالمؤسسات التي عملت بها لسنوات طويلة.

ثالثًا: نظام النقاط والامتيازات

يُعد نظام التنقيط حجر الزاوية في تحديد ترتيب المستفيدين من الحركات الانتقالية، وقد أدخل المشروع تعديلات مهمة من شأنها إعادة التوازن والإنصاف في هذا المجال.

1. امتيازات اجتماعية واضحة:

15 نقطة تُمنح للموظف المتزوج بربة بيت أو الموظفة المتزوجة من موظف لا تتوفر فيه شروط المشاركة بملف التحاق. يشترط هنا تقديم عقد الزواج كوثيقة داعمة.

10 نقاط تُمنح للفئات التالية:

* العاملون بمؤسسات الريادة، والذين يُلزمهم المشروع بالاستمرار في العمل ضمن هذه المؤسسات ولا يُسمح لهم بالانتقال إلى مؤسسات غير مصنفة كذلك.

* الموظفة العازبة الراغبة في الانتقال إلى مقر إقامة أسرتها خارج المديرية.

* الموظفة المطلقة أو الأرملة.

* الموظف المطلق أو الأرمل المتكفل بابن أو أكثر لا يتجاوز سنهم 18 سنة.

تؤكد هذه الامتيازات أن البعد الإنساني والاجتماعي أصبح مكونًا أساسيًا في تدبير الحركات الانتقالية، في انسجام مع توجهات الدولة في دعم التماسك الأسري والاجتماعي.

رابعًا: تراتبية الحركات الانتقالية

حدد المشروع الجديد تدرجًا واضحًا في تنظيم الحركات الانتقالية وفق ثلاث مستويات: الوطنية، الجهوية، والإقليمية، كل واحدة منها مشروطة بأقدمية مختلفة:

1. الحركة الوطنية:

تُعتبر المرحلة الأولى وتُعلن نتائجها قبل باقي الحركات. وهي مفتوحة لكل من قضى سنتين على الأقل في المؤسسة التعليمية الحالية.

2. الحركة الجهوية:

تُعلن نتائجها بعد الحركة الوطنية، وهي مفتوحة للموظفين الذين قضوا سنتين على الأقل في نفس المؤسسة. وتُعد فرصة إضافية لمن لم يُوفق في الحركة الوطنية، لكنها أكثر محدودية من حيث النطاق الجغرافي.

3. الحركة الإقليمية:

تُعلن نتائجها بعد الحركة الجهوية، وتسمح للموظفين الذين قضوا سنة واحدة على الأقل في مناصبهم بالمشاركة. ورغم محدودية مجالها، فإنها مهمة جدًا للموظفين الراغبين في الاقتراب من مناطق سكنهم داخل الإقليم ذاته.

4. إمكانية سحب الطلب:

من بين الجوانب الإيجابية التي أتى بها المشروع، تمكين الموظف من التراجع عن مشاركته في الحركة الانتقالية من خلال طلب يوجه إلى الأكاديمية قبل سبعة أيام من الإعلان عن النتائج، وهو ما يتيح فرصة إعادة التفكير واتخاذ القرار الأنسب دون إلزام.

خامسًا: آثار المشروع على المنظومة التربوية

إن تنزيل هذا المشروع يُرتقب أن تكون له آثار إيجابية على عدة مستويات:

1. تحسين ظروف عمل الموظفين:

من خلال الاستجابة لرغبات الانتقال، وتحقيق القرب من الأسرة، وتعزيز الاستقرار النفسي والاجتماعي، مما ينعكس على مردودية الأداء.

2. تعزيز التوازن في توزيع الأطر التربوية:

سيسهم المشروع في تجاوز الاختلالات التي كانت تشهدها بعض الجهات أو الأقاليم من حيث الخصاص أو الفائض، بفضل التوزيع العادل للمشاركين.

3. استقرار المؤسسات التعليمية:

شرط الأقدمية داخل المؤسسة يضمن استقرار الطاقم التربوي، ويمنع التنقلات العشوائية التي كانت تُربك السير العام للعملية التعليمية.

4. تشجيع العمل في المناطق الصعبة:

من خلال نظام الامتيازات والنقاط، يتم تحفيز الأطر على الاستمرار في العمل داخل المناطق النائية أو مؤسسات الريادة.

سادسًا: ملاحظات واقتراحات مستقبلية

رغم إيجابيات المشروع، فإنه من المفيد إبداء بعض الملاحظات التي قد تُسهم في تجويد تطبيقه:

توسيع هامش الاختيار: قد يكون من المفيد السماح باختيار أكثر من 15 رغبة لتقليص احتمالات الرفض.

تفعيل البعد الرقمي: ضرورة رقمنة جميع مراحل الترشح والتتبع والنتائج لتفادي الأخطاء والتلاعبات المحتملة.

إشراك النقابات: لضمان شفافية العملية، من الضروري إشراك ممثلي النقابات في تتبع ومراقبة العملية من بدايتها إلى نهايتها

خاتمة :

يمثل مشروع قرار وزير التربية الوطنية بخصوص الحركات الانتقالية للموظفين خطوة مهمة نحو إرساء مقاربة عادلة وشفافة في تدبير الموارد البشرية داخل قطاع التعليم. إنه مشروع يعكس تطورًا في الوعي الإداري والبعد الاجتماعي، ويؤسس لمسار جديد من الانصاف الوظيفي وتحقيق التوازن المجالي.

إن نجاح هذا المشروع لن يكون مرهونًا فقط بحسن صياغته، بل بتدقيق تفعيله وتقييم نتائجه سنويًا، مع إدماج ملاحظات مختلف الفاعلين التربويين فيه، لضمان تطور دائم نحو الأفضل في خدمة المدرسة المغربية.

لتحميل مشروع قرار الوزارة بخصوص الموضوع من هنا